امتياز الفرص: دروس من تجربتي كمرشدة

2024-11-11 3 دقائق للقراءة

في عالم التقنية، غالباً ما ننسى حجم الامتيازات التي نتمتع بها، ونفترض أن الوصول إلى الموارد والمعرفة متاح للجميع على حد سواء. لكن من خلال تجربتي كمرشدة لأشخاص من خلفيات متنوعة، أدركت كم من الأمور التي أعتبرها بديهية هي في الواقع أحلام بعيدة المنال لآخرين. أشياء بسيطة كجهاز حاسب يعمل بكفاءة، أو وقت مستمر للدراسة دون انقطاع، أو دعم الأهل والمجتمع لاختيار المسار المهني، تبدو لنا أساسيات، لكنها رفاهيات غير متاحة للجميع.

معاناة حقيقية يواجهها بعض المطورين

ومن إحدى اللحظات التي جعلتني أتفكر في هذه الحياة، كانت تجربتي كمرشدة في برنامج Groundbreaker Talents في أوغندا، حيث كانت متدربتي مطوّرة موهوبة بشكل استثنائي، وقد طورت عدة مواقع إلكترونية ومميزات تقنية جيدة، لكنها تواجه عقبات شخصية تفوق التحديات التقنية التي اعتدنا عليها. في أحد أحاديثنا، قالت لي:

“عندما ينتهي هذا البرنامج، لست متأكدة إن كنت سأتقدم في التقنية بنفس وتيرة تقدمي أثناء مشاركتي في برنامج Groundbreaker Talents، حيث كانت الموارد الأساسية متوفرة. أريد أن استمر في العمل في مجال التقنية، لكن احتياجات عائلتي غالباً ما تعتلي أولوياتي. أحب البرمجة والتواصل مع الآخرين في هذا المجال، لكن استمراري في هذه الأنشطة لوحدي قد يكون صعباً دون توفر الإنترنت والموارد التي كانت موجودة أثناء البرنامج. قد لا أتقدم بنفس السرعة خارج هذا البيئة الداعمة، لأن قدرتي على التعلم والنمو ستتأثر بتعدد الأولويات التي أواجهها.”

بالنسبة لعائلتها، يبدو مستقبل التقنية وكأنه حلم بعيد وغير ملموس، بينما تبدو لهم المحاصيل التي يجمعونها من الأرض أكثر واقعية وجدوى. الواقع الذي تعيشه هذه المبرمجة سلط الضوء على العقبات التي تعترض طريق هؤلاء الموهوبين، مما يجعل من الصعب عليهم التقدم. بينما نسعى نحن لبناء مسارات مهنية، هم يكافحون فقط للحصول على الوقت والموارد والدعم المجتمعي ليتمكنوا من بدء رحلتهم في مجال التقنية.

نجاحٌ ومستقبل مشرق

قصتها اليوم تمثل بارقة أمل، فهي الآن تعمل كمتدربة في إحدى الشركات، حيث تتعلم تطوير المواقع باستخدام لغة PHP، وتمضي بثبات نحو تحقيق هدفها بالحصول على وظيفة كمهندسة برمجيات بدوام كامل. هذه واحدة من العديد من النماذج الملهمة التي نجحت في التغلب على أصعب التحديات.

قصص النجاح هذه ليست مجرد إنجازات فردية، بل دليل على أن الدعم والإرشاد يمكن أن يفتحا آفاقاً جديدة تمكّن الموهوبين من التقدم والتعلم. كل خطوة صغيرة تمثل تقدماً يستحق الاحتفاء، وكل قصة هي شهادة على قوة التصميم والإرادة في التغلب على الظروف الصعبة.

أكثر من مجرد إرشاد… دروس في الحياة

الإرشاد في مثل هذه الظروف علمني أكثر من مجرد كيفية توجيه شخص ما. لقد كشف لي عن النعم التي أنعم الله بها عليّ، وأدركت توفيق الله ولطفه المصاحبان لي في مسيرتي الشخصية والمهنية. لم أواجه مثل هذه الصعوبات التي يواجهها مَن أرشدهم بشكل أسبوعي، وكل مرة ألتقي فيها بمثل هؤلاء الموهوبين والموهوبات أشعر بالتواضع أمام إصرارهم، وأدرك كم نحن محظوظون.

تجربة الإرشاد هنا لا تقتصر على تزكية العلم، بل هي دعوة للتواضع، والتذكير المستمر بوجود آخرين ينتظرون دعمنا. رؤية نجاح وتفاني هؤلاء المطورين والمطورات هي واحدة من أكثر التجارب الملهمة في حياتي.

دعوة للمساهمة: دعم المطورين ذوي الموارد المحدودة

برامج مثل Groundbreaker Talents وغيرها تلعب دوراً مهماً، وتستمر بفضل الله ثم الدعم المتواصل من المجتمعات، والمؤسسات، والأفراد. لقد لمست بنفسي قوة الموهبة والعزيمة التي تنتظر فقط فرصة لتزدهر. دعم هذه البرامج لا يؤثر فقط في حياة الأفراد؛ بل يمكّن مجتمعات بأكملها، ويفتح أمامها مجالات جديدة في التقنية لم تكن متاحة من قبل.

أدعو كل من يستطيع إلى المساهمة، سواءً بالتبرع أو من خلال التطوع كمرشد، لدعم هؤلاء المطورين والمطورات الذين يفتقرون إلى الموارد الأساسية. لنساعدهم في الوصول إلى الأدوات والوقت والدعم المعنوي والتقني الذي يحتاجونه لتحقيق طموحاتهم. فحتى أبسط الجهود تُحدث فرقاً حقيقياً، وتفتح لهم آفاقاً جديدة كان يعيقها الحرمان.

خاتمة

تجربتي في الإرشاد لم تعلمني فقط كيف أوجه الآخرين؛ بل عمّقت امتناني لنعم الله عليّ، والتي ربما لا أفكر فيها كثيراً أو لم أستوعبها إلَّا الآن. لقد علّمتني هذه الرحلة أن الموهبة موجودة في كل مكان، لكنها تحتاج إلى يد ممدودة تفتح لها الطريق. فلنستخدم ما نملكه من امتيازات لفتح الأبواب، ولنبقى متواضعين كرماء، ولنمد يد العون لأولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إليها.